تتزاحمُ الكلماتُ عاجزةً عن وصفِ هذا الرجلِ العظيم،الذي أحيا أمةً بكلماتهِ التي كانت منارةً تنيرُ الدجى حين فُهِمَت معانيها وجُسِّدَت على أرضِ الواقعِ،إنها العقيدةُ القويةُ التي كانت تنبعُ من قلبِهِ المتعلقِ باللهِ،والتي من شدَّتِها فجَّرت ينابيعاً لا حودَ لها في كلِّ المجالات،في الحياةِ الأُسريّةِ والاجتماعيةِ وفي الحياةِ الجهاديةِ التي كانت تناديهِ في كلِّ ميدانٍ من ميادينِ الجهاد على أرضِ الرباطِ،وفي الحياةِ السياسيةِ التي توَّجت حركتَهُ المجاهدةَ (حركة حماس)بآرائِهِ وأفكارِهِ التي حطمت أفكارَ اليهودِ وشتَّت آراءهم وما أجمعوا عليه،وهدمت مخططاتِهم ..فما لبثوا يمكرون لاغتيالِهِ والتخلصِ منه،وكثيراً ماباءت بالفشلِ إلى أن أرادَ اللهُ بأن يلتقي الحبيبان في جنة الخلدِ تحتَ عرشِ الرحمن فهنيئاً لشيخِ فلسطين ولأسدها،على الرغم من مرارةِ وقعِ الخبر الذي حمله السابعَ عشرَ من أبريل عام ألفين وأربعة،كان الخبرُ الصاعقُ الصدمةُ الصعبةُ.....لقد رحلَ القائدان.ولكن،القائدُ يخلفُهُ ألفُ قائد ..... أليس كذلك ؟!
ولكن تبقى أفعالُ وأقوالُ من رحلوا خالدةً في قلوبِنا وعقولِنا...
الأستاذ أحمد ابن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي حدثني عن بعض المواقف التي لا ينساها حدثت معَ والدِه في عدة مناحٍ..
في البيت...كان الأبَ الحاني والخيِّرَ لأهلِه فقد وافقَ فعلُهُ قولَ رسولِ الله (خيرُكم خيركم لأهلِه،وأنا خيرُكم لأهلِه)فكان نعم الأبُ والزوجُ والمربي ،
يقولُ أحمد (في يومٍ من الأيامِ أقبلت أمي على إحدى أخواتي بالشوبك (شوبك العجين)بعد خلاف بسيط بينهما فتضايقت أختي لذلك ولم تقبلْ بمصالحةِ أمي لها حتى جاء أبي وعرفَ القصةَ فإذا به وقد كان شاعراً يقولُ فيها:
لا تعجبوا يا إخوتي من قصتي فأنا التي ******وأناالتي بالشوبك الملفوفِ كانت علقتي
وعندما سألتُهُ عن الجانبِ الدعوي فلم يترددْ بذكرِ الموقفِ الجميلِ الذي حدثَ معَ الدكتور في سجنِه بينما كان معتقلاً في سجونِ السلطةِ..
(كان والدي الشيخ سجيناً في معتقلِ الجوازات التابعِ للسلطةِ الوطنيةِ الفلسطينيةِ،وقد كان يعاملُ السجانين بأخلاقه الكريمة ومن بينهم أخٌ من عائلةِ البطنيجي والذي كثيراً ما كان يتمردُ على والدي وكان كلما تمردَ السجانُ عليه بالتعذيبِ أظهرَ له خُلُقاً إسلامياً جديداً وتعاملاً راقياً وغير متوقع!!حتى سألَه الشيخُ ذات مرة لم لا تصلي؟ ردَّ عليه : إنهم يمنعوننا ،لم يتوقفْ الدكتور هنا بل أخذَ يعلمُهُ الوضوءَ ويصليانِ ليلاً ويلقي على مسامِعِهِ دروسَ الدينِ دون أن يراه أحدُ المسؤلين ....حتى أخذ الله بيدِ هذا الرجلِ وأصبحَ من الدعاةِ الذين تهتدي الناسُ على أيديهِم)!!
(أما عن الناحية السياسية فكم كان أبتِ كتوم) هكذا أخبرني نجلُ الشهيدِ كان والدُه لايحدثهم بأمور الحركةِ وأسرارِها وأعمال كتائبِ عزِّ الدين القسام فليس البيُ محلها وهي أمانة عليه الحفاظُ عليها..وأيُّنا أشدُّ حرصاً من أسدِ فلسطينَ على ذلك؟؟
كلمات لا تنساها يا أخي خصَّها أبوك بك؟؟
أجابني مسرعاً (أُحيمد)؟؟!!
(نعم هي قصيدةٌ نظمها الشاعرُ في ابنهِ الأصغر والصغيرُ وقتها قالها فيَّ (أحمد)وقد كان عمري الرابعة في ذلك الوقت كنا ننتظر أبي وهو عائدٌ من معتقل الصهاينة أنا وأمي وإخوتي ،وصل المعتقلون والتق الأهلُ بأبنائهم المفرجِ عنهم لكن البسمةَ لم تُرسمْ على شفاهِنا كباقي الحشود؟؟
انتظرنا كثيراً لكن دون جدوى حتى قطعنا الامل وعدنا والحسرةث في قلوبنا والدمعةُ لم تفارقء عيونِنا ..لا نرجعْ بالغالي..
بعد أيام عرفنا انَّ بينما والدي في باصِ العودة للقائنا فإذا برابين اللعين يبعثُ له بهديةِ الإفراج..! أيُّ هديةٍ تلك يا عدوَّ الله؟
إنها ستةُ أشهرٍ إداريةٍ جديدة حُكِمَ على أبي بقضائِها في السجنِ يالها من كارثة ...هنا كتب أبي الحنون قصيدةً لابنِه الأصغر الذي حرقَ قلبه ذاك اللعين...)
لِمَ يا بُنَيَّ أراك تبحثُ فـي الزحـام****** لِمَ يا بُنَيَّ أراك تأرق فـي المنـام
نَمْ يا أُحيمِـدُ لا تمـزقْ مهجتـي****** نَمْ يا أحيمدُ حيثُ قد نـام الحمـام
أنا يا أحيمـد لا يفارقنـي الأسـى****** أنا يا أحيمد قد هجـرتُ الإبتسـام
هذي السلاسلُ يـا صغيـري فتنـةٌ****** اللـــــهُ قـدرهـا ليختـبـرَ الأنــام
لا تبكِ يـا ولـدي كفـاك فإننـي****** رغم القيود سأمتطي متـنَ الغمـام
إن فرَّقـوا بينـي وبيـن أحبتـي****** أو مزقوا قلبـي بأنصـال السهـام
أو أرقوا نومـي ونـوم أحيمـدي****** أنا لن أطأطئ لا ولن ألقي الحسـام
هذا السبيل سبيل من طلـب العـلا****** هذا السبيل سبيل مرشدنـا الإمـام
هـذا سبيـل العارفيـن بربـهـم****** هذا سبيل الخالديـن مـن العظـام
فإذا عرفـت اليـوم سنـة أحمـد****** وزهدت في دنيا الثعالـب واللئـام
وعلمـت أن الصابريـن مقامهـم ******يوم الحساب يضاهئ الصحب الكرام
فأرسم على الثغر ابتسامـة شاكـر****** واصبر بني غدا سينقشـع الظـلام
ومهما ذكرنا من مواقفَ أو كلماتٍ فإننا لا نوفي شيخنا الدكتور الشاعر أسد فلسطين (عبد العزيز الرنتيسي)حقه ،
فلله درُّك وانعمْ ما قدَّر لك الرحمن ،فأنت لست خسارةً في ربِّكَ الكريم ونعيمُ ربِّكَ ليس خسارةً فيك !!!